vendredi 24 juin 2011

مكانة العلم والعلماء في الإسلام

للعلم في الإسلام شأنا وأي شأن، ويكفي للدلالة على منزلته أنه صفة من صفات الله جل جلاله: وهو السميع العليم [الأنعام: 13]، وأنه سبحانه قد أمر به قبل العمل فاعلم أنه لا إله إلا الله [محمد: 19] وما ذلك إلا لأن صحة العمل مرهونة به، وقد أمر جل جلاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- بطلب الاستزادة منه فقال: وقل رب زدني علماً [طه: 114]، وقد استفاض حديث القرآن الكريم عن العلم حيث وردت مادة علم فيه أكثر من سبعمائة مرة، كذلك لم يخل كتاب من كتب السنة من كتاب موضوعه العلم [د. سعد عبد الرحمن الجريد، رسالة دكتواره]، ولهذه المنزلة العالية كان طلبه فريضة كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" [أخرجه ابن ماجه في سننه وصحّحه الألباني]، ومن هذا الفرض ما يكون فرض عين ومنه ما يكون فرض كفاية فكل ما يحتاج إليه لصحة العبادة فهو فرض عليه فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب -القاعدة الأصولية المقررة- وماعدا ذلك من سائر العلوم التي نحتاج إليها في إقامة حياة سوية فإن تعلمه على الكفاية أي أنه لابد أن يكون في المسلمين من يعلمه بالقدر الذي يسد حاجتهم إليه وإلا أثم المسلمون جميعاً [نحو منهجية إسلامية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، دار المسلم، ط1 1415 ص 14 -21 - 23]، وهذا الاهتمام البالغ بالعلم وبهذه الصورة إنما يمثل المكانة الحقيقية للعلم. ويبرز أثره في الحياة، فالحياة التي لا تؤسس على العلم الشرعي حياة عديمة الفائدة، والإسلام الذي ينزل العلم هذه المنزلة هو دين العلم، ودين النقل والعقل، "إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" [أخرجه الترمذي]. ولهذا كانت أبرز خصائص الدعوة إلى الله هو قيامها على البصيرة أي العلم قل هذه سبيلي أدعو إلي الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين [يوسف: 108].
وأبرز خصائص هذه البصيرة مصاحبة العمل لها إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً [الكهف: 107] وما يُلحظ هذه الأيام من انفصال للعلم عن العمل هو من مظاهر الخلل في حياة المسلمين التي ربما كانت سببا في ظاهرة انفصال العلماء عن الحياة في كثير من بلدان المسلمين حيث ترتب على ذلك ما ترتب عليه من مظاهر الانحراف وأظهرها معايشة هموم الناس ومشكلاتهم، وقضاياهم من قبل من ليس لديه علم.
قال ابن عبد البر "قد اجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصة نفسه، من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه نحو الشهادة "باللسان" والإقرار بالقلب بأن الله وحده لا شريك له، والشهادة بأن محمداً عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، وأن البعث بعد الموت حق للمجازاة بالأعمال والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة، ولأهل الشقاوة والكفر والجحود في السعير، وأن القرآن كلام الله، وما فيه حق من عند الله يجب الإيمان بجميعه، واستعمال محكمه، وأن الصلوات الخمس فريضة، ويلزمه من علمها ما لا تتم إلا به من طهارتها وسائر أحكامها، وأن صوم رمضان فرض ويلزمه من علمه ما يفسد صومه، وما لا يتم إلا به . وإن كان ذا مال لزمه فرضا أن يعرف ما تجب فيه الزكاة، ومتى تجب، وفي كم تجب، ويلزمه أن يعرف بأن الحج عليه فرض مرة واحدة في دهره إن استطاع إليه سبيلا إلي أشياء يلزمه معرفة جملتها ولا يعذر بجهلها، نحو تحريم الزنا والربا وتحريم الخمر والخنزير، وأكل الميتة والأنجاس كلها، والغصب والرشوة على الحكم، والشهادة بالزور وأكل أموال الناس بالباطل، وتحريم الظلم كله، وتحريم نكاح الأمهات والأخوات ومن ذكر منهن وتحريم قتل النفس" [جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، 1414هـ 1م24].
ومن ثم كان العلم الذي هو إدراك الشيء على حقيقته أو نقيض الجهل أو الاعتقاد الجازم، أو الحجة الواضحة مما تضمنته أول آيات أنزلت على الرسول -صلى الله عليه وسلم- اقرأ باسم ربك..[العلق: 1-5] كانت حثًا بليغا عليه حيث أمرت بالقراءة وثنت بالتعلم، وبينت أهم أدواته (القلم) وما ذلك إلا لأنه وسيلة العمل، وقائده، وهو تابع له، ومؤتم به، وشرط في صحته وصحة القول، فلا يعتبران إلا به، كما أنه مصحح للنية التي هي شرط في صحة العمل.
ولهذا كان القول على الله بغير علم من الكبائر قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[الأعراف: 33] وليس من شك في أن العلم الشرعي هو أصل العلوم التي يحتاج إليها الإنسان، ومنه العلم بالله وأسمائه وصفاته، والعلم بما أخبر الله به مما كان من الأمور الماضية وما يكون من الأمور المستقبلية، وما هو كائن من الأمور الخاصة والعلم بما أمر الله به من الأمور المتعلقة بالقلوب والجوارح وما يتعلق بها من أحوال. والعلم بأصول الإيمان. وعلى ذلك فأهم متطلبات الحياة البشرية السوية من العلم هو ما كان متصلا بحياتها اليومية من معرفة ما يحل وما يحرم، أي ما كان متصلا بعبادتها بالمعنى الشامل للعبادة الذي لا تند عنه خالجة من النفس، أو كلمة على اللسان أو حركة من جارحة قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين [الأنعام: 162-163].
وذلك يعني شموله لكافة جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، فالعلم الذي يستوعب حركة الحياة كاملة هو الفقه في الدين حقيقة. فبالعلم بهذا المعنى تقوم العدالة، وتحدد الحقوق وتصان، وبه تتحقق ملاءمة الفطرة السوية، والقدرة على مسايرة التطور زمانا ومكانا حيث تستوعب مستجدات الحياة وأحوالها.
ولما كانت الغاية من خلق الإنسان هي عبادة الله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [الذاريات: 56] وكان العلم هو أداة تمكين الإنسان من هذه العبادة، وكان الإنسان في الحقيقة هو الذي يعبد الله يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد.. [الأعراف: 31] فلا يحصل له من الإنسانية إلا بقدر ما يحصل له من العبادة التي من أجلها خلق، فمن قام بها حق القيام فقد استكمل الإنسانية، ومن رفضها فقد انسلخ من الإنسانية، فلا يكون الإنسان إنسانا حقيقة إلا بالدين، ولا ذا بيان إلا بمقدرته علـى الإتيان بالحقـائق الدينية الرحمن علم القرءان، خلق الإنسان، علّمه البيان [الرحمن: 1-4].
فابتداء الآيات بعد اسم الله جل جلاله الرحمن بتعليم القرآن، قبل خلق الإنسان ثم الامتنان بتعليم البيان بعد الخلق تنبيه على أنه بتعليم القرآن يكون الإنسان إنسانا على الحقيقة، وأن البيان الحقيقي المختص بالإنسان يحصل بعد معرفة القرآن إلا أن الامتنان بتعليم العباد معاني القرآن وألفاظه يدل على عظم تلك النعمة لاشتمال القرآن على كل خير وزجره عن كل شر و والله إنها لنعمة وأي نعمة، ولا يجهل قدرها إلا كل ختار كفور.
فجهة العلم على الحقيقة ما نص في الكتاب أو في السنة أو في الإجماع أو أن يقاس على هذه الأصول ما في معناها، وليس لأحد أن يقول في شيء حلال ولا حرام إلا من جهة العلم كما نقل ابن عبد البر عن الشافعي رحمهما الله.
وحقيقة العلم: هي كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: {ليس العلم عن كثرة الحديث إنما العلم خشية الله} وحده: ما اشتيقنته وتبينته وله صفة الثبات، والحصول على هذا القدر من العلم أي المعرفة إما أن يكون بالضرورة العقلية أو بالضرورة الحسية أو بالكسب والاستدلال، وأصل علم الأنبياء وعملهم هو العلم بالله والعمل لله كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية.
وتبليغ هذا العلم ونشره مقصد نبوي قائم بذاته غير مقصد الفهم والعمل، فقد دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمستمع العلم وحافظه ومبلغه "نضّر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" [أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/24-3] وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الفقه في الدين من علامات سعادة الإنسان "من يرد الله به خيراً يفقّهه في الدين" [طرف من حديث، متفق عليه]، وأخبر عن نفسه -صلى الله عليه وسلم- بأنه بعث معلما ميسرا في قوله: "إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلماً ميسراً" [أخرجه ابن ماجه في سننه]، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعلّمها" [أخرجه البخاري]، قال صلى الله عليه وسلم:"من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقاً إلي الجنة، وما قعد قوم في مسجد يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" [أخرجه الترمذي]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من سلك طريقاً يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم.." [أخرجه أبو داود]، وقال -صلى الله عليه وسلم- : "إلا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم" [أخرجه الترمذي] وقال -صلى الله عليه وسلم- : "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" [أخرجه مسلم]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الناس عالم ومتعلم وما بين ذلك هو همل لا خير فيه" [أخرجه الدارمي].
والمسلمون الذين تلقوا عـن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك النصوص وأدركوا قيمتها وطبقوها في حياتهم كانوا أسبق بذلك إلى إلزامية التعليم الحديث بنص القرآن والسنة وأقوال العلماء وتطبيقاتهم التي ربطت بين العلم والعمل، حذراً من إنذار الله الشديد لمن يخالف فعله قوله يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون .. [الصف: 2-3] وأتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أ فلا تعقلون [البقرة: 44]. وما ذلك إلا لأنهم كانوا يدركون أن العلم لا يكون صحيحا سليما ما لم تصاحبه نية صالحة وإخلاص لله في طلبه باعتبار أن تلك النية هي أول منازل العلم.
ومن بين صور الحث على طلب العلم -لمنزلته العالية في الدين- بعبارات بليغة جامعة ما قاله سفيان الثوري: ويحكم اطلبوا العلم فإني أخاف أن يخرج العلم من عندكم فيصير إلى غيركم فتذلون، اطلبوا العلم فإنه شرف في الدنيا وشرف في الآخرة، وقال: ما يراد الله -عز وجل- بشيء أفضل من طلب العلم.
ولعل من أبلغ صور الحث على طلب العلم وبيان مكانته وأهميته للحياة ما أخرجه ابن عبد البر من حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه الذي يقول فيه: تعلموا العلم فإن تعليمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة؛ لأنه معالم الحلال والحرام . ومنار سبيل أهل الجنة وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة يقتص آثارهم، ويحتذى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في ظلهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومداومته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل، والعمل تابعه، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء.
وهذه المنزلة العالية في حياة المسلمين هي التي وجهت المسلمين قديما وحديثا للحرص على العلم، فالمهتدون من الناس يريدون أن تصحّ عبادتهم لتقبل عند الله، ولا سبيل لذلك خارج نطاق العلم . لأنه هو الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم، ويتبين به طريق أهل النعيم من طريق أهل الجحيم، ومن ثم كان معلم الناس الخير هو من يستغفر له كل شيء حتى الحوت في الماء والطير في الهواء بسعيه في مصلحة الخلق وإصلاح دينهم ودنياهم. ولهذا كان فضل العلماء عظيما ومكانتهم في الأمة كبيرة ومنزلتهم عالية وآثارهم الحسنة كثيرة . ولو أغفل العلماء جمع الأخبار وتمييز الآثار، وتركوا علم كل نوع إلى بابه، وكل شكل من العلم إلى شكله لبطلت الحكمة وضاع العلم ودرس، ولكن الله -عز وجل- يبقى لهذا العلم قوما -وإن قلوا- يحفظون على الأمة أصوله، ويميزون فروعه فضلا من الله ونعمة، ولا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم منه الآخر ولهذا حث جل جلاله على العناية بتخصيص فئة من المسلمين للتعلم والتعليم في قوله سبحانه وتعالى : وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون [التوبة: 122]، وامتن -جلّ جلاله- على الأمة ببعثة سيد الخلق المعلم الهادي في قوله سبحانه وتعالى: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين[الجمعة: 2]، وعلى هذا فإن عماد الناس -بعد الله- حقيقة على العلماء في الفقه والعلوم وأمور الدين والدنيا، وهم أئمة الدين وورثة الأنبياء، ورثوا عنهم العلم، حملوه في صدورهم، واصطبغت به حياتهم، فاستحقوا أن يكونوا رأس الجماعة، كما وصفهم ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: المتقون سادة والعلماء قادة، ولعل هذه المنزلة في الدين هي التي بوأت العلماء مكان الصدارة في حياة الناس لما حباهم الله به من فضل، وما خصهم به من مزايا، وما شرفهم به من الثناء في نصوص قرآنية نكتفي بإيراد بعضها لدلالته على المقصود مثل قوله جل جلاله: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم [المجادلة: 11] وقوله جل جلاله: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات [الأعراف: 18] وقوله سبحانه وتعالى:قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر: 9]، وقوله جل جلاله: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [العنكبوت: 43] وقوله سبحانه وتعالى:إنما يخشى الله من عباده العلماء [فاطر: 28] فهي نصوص بالغة الدلالة على فضل العلماء ومنزلتهم العالية في الدين وفي الإمامة، وقد كثرت كذلك النصوص النبوية المبينة لفضل العلماء ومكانتهم لا نستقصيها هنا لوفاء ما نورد فيها بمتطلبات المعنى المراد. ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم- : "العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظه أو بحظ وافر" [أخرجه الترمذي وأحمد في مسنده]، وقال -صلى الله عليه وسلم- في إجابة سائل عن الشر: "لا تسألوني عن الشر، واسألوني عن الخير يقولها ثلاثا، ثم قال: ألا إن شر الشر شـرار العلماء وإن خير الخير خيار العلماء" [أخرجه الدارمي في مقدمة سننه]، موطن الشاهد قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وإن خير الخير خيار العلماء"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم تلا هذه الآية إنما يخشى الله من عباده العلماء -إن الله وملائكته وأهل سماواته وأراضيه والنون في البحر يصلون على الذين يعلمون الناس الخير" [أخرجه الدارمي في مقدمة سننه]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن مثل ما بعثني الله به -عز وجل- من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجاديب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها، وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلاً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" [أخرجه البخاري في الفضائل في صحيحه]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب" [طرف من حديث أخرجه أبو داوود في العلم من سننه] وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فقيه أشد على الشيطان من ألف عابد" [أخرجه الترمذي]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم" [أخرجه الترمذي]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم". ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير" [أخرجه الترمذي] وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من قوم يجتمعون في بيت من بيوت الله يتعلمون القرآن ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده" [طرف من الحديث أخرجه مسلم]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة" [أخرجه أحمد في مسنده (12139)].
ولاشك أن في تلك النصوص القرآنية والنبوية الكاشفة عن عظيم قدر العلماء ومنزلتهم العالية في دنيا الناس وفي الدين الحق الذي ختمت به الرسالات دلالة قاطعة تدل على أن مجتمع المسلمين الصالح مجتمع ميزته الأساسية الإيمان المؤسس على اليقين الذي قام الدليل على صحته من الهدى والفرقان، إذ الإيمان الصحيح والعمل الصالح هما دعامتا الفلاح في الدنيا والآخرة. يقول الإمام الشافعي رحمه الله : فإنه من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا واستدلالا، ووفقه الله للقول والعمل بما علم، فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الريب ونوّرت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة. ومن ذلك يتبين أن أصل إطلاق العلم إنما هو للعلم الشرعي الذي به تحصل الهداية، لكن سعة مدلول العلماء بالصورة التي وردت في آية فاطر إنما يخشى الله من عباده العلماء [فاطر: 28] بعد ذكر أصناف المعارف التي تشيع اليوم في الحياة مما يتفق مع ضرورة تأسيس الحياة في جوانبها المختلفة على العلم، ويتفق كذلك مع ما ذكر من مكانه العلم عند المسلمين، حتى يمكن استيعاب كافة جوانب حياة المسلمين، وهو أيضا مما يؤكد أهمية التخصصات العلمية المختلفة لهذه الحياة، ويضفي المكانة الطبيعية على العلماء في صنوف المعرفة شريطة أن تكسبهم معرفتهم خشية الله التي هي في الحقيقة مدار وصف الإنسان بالعلم "وستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا إلا من أحياه الله بالعلم" [أخرجه ابن ماجه في الفتن].
وربما كان من المناسب إيراد بعض الأقوال المفيدة في بيان فضل العلم والعلماء حرصا على زيادة الإيضاح ولما سبق بيانه من نصوص. فقد نسب إلى أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما قولهما: {باب من العلم يتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوع}، وباب من العلم يتعلمه عمل به أو لم يعمل به. كما نسب إلى عبيد الله بن أبي جعفر قوله: العلماء منار البلاد، منهم يقتبس النور الذي يهتدى به. وتفضيل العلم على العبادة جاء عن جمع من السلف منهم مالك والشافعي وأحمد وسفيان الثوري، وتفاوتت عباراتهم في ذلك، لكنها كلها تجمع على تفضيل العلم على التطوع في صنوف العباداتإلا أن كلام سفيان يفيد أن طلب العلم أفضل من الجهاد لأنه قدم العلم على باقي الأعمال.
والأحاديث التي وردت في شأن تقديم العلماء على الشهداء من جنس "يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء" و"يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء" و"للأنبياء على العلماء فضل درجتين، وللعلماء على الشهداء فضل درجة" وصفت كلها بالضعف ولا يصح منها شيء.
ونحن في الحق في غنى عن الاستناد إلى الضعيف، فقد ثبت فضل العلم والعلماء بما نقلناه من نصوص الوحي، ويكفي ذلك في الدلالة على المكانة العالية والمنزلة الرفيعة في الدين للعلم والعلماء، إضافة إلى ما ورد بشأن الثواب الذي ينتظره العلماء في الآخرة مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من علم علما فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل" [أخرجه ابن ماجه]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "العالم والمتعلم شريكان في الأجر.." [طرف من حديث أخرجه ابن ماجه].
ولعل من المناسب في سياق الحديث عن العلم وفضله وأهمية نشره في العالمين التأكيد على أن حسن الديباجة وإشراقة الأسلوب مطلبان حتى يحقق العالم لعلمه أسباب الانتفاع به من إثارة ذهنية ومتعة وجدانية باعتبارهما مدخلين نفسيين مهمين لمخاطبة الناس وتعليمهم. وربما كان من المهم في ختام الحديث عن مكانة العلم وفضله وفضل العلماء ورفعة شأنهم إيراد قول جميل منسوب إلى جعفر بن محمد وهو: وجدنا علم الناس كله في أربع: أولها أن تعرف ربك، والثاني أن تعرف ما صنع بك، والثالث أن تعرف ماذا أراد منك، والرابع أن تعرف ما تخرج به من دينك؟ أو ما يخرجك من دينك.

وفي نفس الاهمية التي اولاها الاسلام  للعلم و التعلم و مجد العلماء فهو قد حدر بشدة و نبه الى  عكسه الا وهو  الجهل و  قد ورد  في القران و السنة عديد الايات و الاحاديث و تنوعت العبارات و الالفاظ  و لعل  اهمها )الهوى و الضلال(  و تجدنا هنا  ناسس لبحث مقبل حول  مسالة الجهل و الانحراف في الدين و نقيسها بمعيار الشرع و العقيدة السليمة

أكرم زغلامي 

jeudi 9 juin 2011

معاتبة النفس للإمام الغزالي

يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله :

اعلم أن أعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك .وقد خلقت أمّارة بالسوء،ميالة إلى الشر،فرّارة من الخير ، وأمرت بتزكيتها وتقويمها وقودها إلى ربها وخالقها ، ومنعها عن شهواتها ، وفطامها عن لذاتها .

فإن أهملتها ، جمحت وشردت،ولم تظفر بها بعد ذلك .وإن لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة والملامة كانت نفسك هي النفس اللوامة التى أقسم

الله بها، ورجوت أن تصير المطمئنة المدعوة إلى أن تدخل في زمرة عباد الله راضية مرضية .

فلا تشتغل ساعة عن تذكيرها ومعاتبتها،ولا تشتغلن بوعظ غيرك ما لم تشتغل أولاً بوعظ نفسك ، أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام : (يا ابن مريم ، عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس،وإلا فاستحي مني).

وقال تعالى:(وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )  وسبيلك أن تقبل عليها، فتقرر عندها جهلها ،وحماقتها وأنها أبداً تتعزز بفطنتها وهدايتها ويشتد أنفها واستنكافها إذا نسبت إلى الحمق ، فتقول لها:

يا نفس..ما أعظم جهلك ؟! تدعين الحكمة والذكاء والفطنة ، وأنت أشد الناس غباوة وحمقاً!!

أما تعرفين ما بين يديك من الجنة والنار وأنك صائرة إلى إحداهما على القرب؟

فما بالك تفرحين وتضحكين وتشتغلين باللهو وأنت مطلوبة لهذا الخطب الجسيم ؟

وعساك اليوم تختطفين أو غداً، فأراك ترين الموت بعيداً ،ويراه الله قريباً،أما تعلمين أن كل ما هو آت قريب وأن البعيد ما ليس بآت ؟ أما

تعلمين أن الموت يأتي بغتة من غير تقديم رسول ، ومن غير مواعدة ومواطئة ، وأنه لا يأتي في شيء دون شيء ،ولا في شتاء دون صيف ، ولا في صيف دون شتاء ، ولا في نهار دون ليل ، ولا في ليل دون نهار ،ولا يأتي في الصبا دون الشباب ولا في الشباب دون الصبا، بل كل نفس من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة.

فمالك لا تستعدين للموت وهو أقرب إليك من كل قريب ؟!أما تتدبرين قوله تعالى (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم )